يسروا ولا تعسروا
عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا» متفق عليه
– – – – – – – –
#الشيخ_أبو_معاذ_زيتون
عن أنسِ بن مالكٍ -رضي الله عنه- أنَّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «يسِّروا ولا تعسِّروا، وبشِّروا، ولا تنفِّروا». مُتَّفَقٌ عليه.
المعنى: دينُنا والحمد لله دينُ يسرٍ لا دينَ تشدُّدٍ وغلوّ، فهو دينٌ يريدُ لكلِّ النّاسِ أن يكونوا قادرين على اعتناقِهِ.
واللهُ تعالى أخبرنا أنّه يريدُ بنا اليسرَ ولا يريدُ بنا العُسرَ، وكان النبيُّ صلّى الله عليه وسلم، لا يُخيّرُ بينَ أمرَينِ أحدُهما أيسرُ من الآخرِ إلا اختارَ الأيسرَ منهما
.
وها هو صلّى الله عليه وسلم يأمرُنا بالتّيسير على أنفسِنا وعلى النّاس، وهو أمرٌ مطلقٌ شاملٌ لجوانبِ العباداتِ والمعاملاتِ، ففي جانبِ العبادات لا ينبغي للمسلمِ أن يُضَيّقَ على نفسهِ فيكلّفَها ما يشقُّ عليها حتّى تستسهلَ الاستمرارَ على العبادة ولا تسأمَها.
وهذا لا يعني أن يتفلّتَ الإنسانُ من الأحكامِ الشرعيّةِ ويتعبّدَ على مزاجِه، بل التزامُ الأحكام هو اليسرُ بعينِه.
فمثلاً لو أراد أحدُنا الوضوءَ في الشتاء وهناك ماءٌ دافئٌ فلا يتركُهُ ويتكلّفُ الوضوءَ بالباردِ المؤذي، ولو كان عليه صيامُ قضاءٍ أو كفارةٍ فلا بأس أن يجعلَ ذلك في أيّام الشتاءِ القصيرة حيثُ لا يكونُ هناك حرٌّ ولا عطشٌ شديد، ولو كان مريضاً أو مسافراً فلا حرجَ أن يعملَ بالرّخصِ المشروعةِ وهكذا..
وفي جانب المعاملات كذلك ينبغي أن نيسّر على النّاسِ ولا نُضيّقَ عليهم، لا سيّما من كانَ منّا في موقعِ المسؤوليّةِ كالمحاكمِ والدوائر الخدمية والجامعاتِ والمشافي ودوائر التعليم وغيرها، فإنّنا نرى الكثيرين يعسّرونَ على الناس ويطالبونهم بأشياءَ لا ضرورةَ لها، حتى يضيقَ الناسُ ذرعاً بذلك، ويتركَ كثيرٌ منهم ما هو حقٌّ له من كثرةِ التّعسير الذي يواجهُه.
وهذا خلاف الهدى الذي أراد الله أن ينتشرَ بين النّاس، ولقد كان من دعاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم “اللهُمَّ مَنْ ولِيَ من أمْرِ أُمَّتِي شيئًا فَشَقَّ عليهم فاشْقُقْ علَيهِ، ومَنْ ولِيَ من أمرِ أُمَّتِي شيئًا فَرَفَقَ بِهمْ فارْفُقْ بِهِ” فالأمرُ بالغُ الخطر.
طريقةٌ مقترحةٌ للتّطبيق:
أخي وأختي: التّيسيرُ والتّعسيرُ سلوكٌ يتربّى الإنسانُ عليه، وليس فطرةً لا يمكنُ تغييرُها، وإلّا لما كانَ للأمر بالتيسيرِ والنّهي عن خلافِه معنى.
فعلينا أن نتعلّم ثقافةَ التّيسير ونجعلَها سائدةً في أوساطِنا، وبخاصةٍ عند توجيه أبنائِنا وتعليمِهم أمورَ دينِهم، فإذا كانَ البالغُ الرّاشدُ يتركُ ويهجرُ ما يراه عسيراً فكيف الحال عند الأطفالِ الصّغار؟!
وإنّ التّيسير على الناسِ يحملُهم على الدعاء لنا بخلافِ التعسير الذي يحملهم على الدعاء علينا، وهذا مما يجبُ ألا نستخفَّ به.
«وبشِّروا، ولا تنفِّروا» هذه تتمةُ الحديثِ الشريف الذي تحدثنا البارحة عن أول أوامره «يسِّروا ولا تعسِّروا»، واليوم نتابع مع نصفه الثاني…
عن أنسِ بن مالكٍ -رضي الله عنه- أنَّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «يسِّروا ولا تعسِّروا، وبشِّروا، ولا تنفِّروا». مُتَّفَقٌ عليه.
فبعدَ أن أَمرَنا النّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم بالتّيسيرِ ونهانا عن ضدِّهِ، أَمرَنا كذلك بالتّبشيرِ ونهانا عن ضدِّه.
فالإسلامُ دينٌ جميلٌ جدّاً يُراعي النّفسَ البشريّةَ وما فُطِرَت عليه، فالنّفسُ البشريّةُ ترتاحُ للتّفاؤلِ والبُشرياتِ، وتنزعِجُ لتوالي الزّجرِ وتعاقبِ المخاوفِ.
ونبيُّنا صلّى الله عليه وسلّم كانَ كثيرَ التّفاؤلِ عظيمَ التّبشيرِ، وبهذا وصفَه الله تعالى فقال: (يا أيّها النّبيُّ إنّا أرسلناكَ شاهداً ومبشّراً وَنذيرا)، وقد كان صلّى الله عليه وسلّم يتجنّبُ كلَّ ما من شأنِهِ تنفيرُ النّاسِ عن الدّينِ وينهى صحابتَه عن ذلكَ أشدَّ النّهي، فقد غضِب صلّى الله عليه وسلّم غضباً شديداً حين اشتكى إليهِ رجلٌ أنَّ الإمامَ يطيلُ بهم صلاةَ الفجر فيتعبون، فقال: “يا أَيُّهَا النَّاسُ، إنَّ مِنكُم مُنَفِّرِينَ، فمَن أَمَّ النَّاسَ فَلْيَتَجَوَّزْ، فإنَّ خَلْفَهُ الضَّعِيفَ والكَبِيرَ وذَا الحَاجَةِ”.
طريقةٌ مقترحةٌ للتّطبيق:
أخي وأختي: لنتَسلَّحْ بالتّبشير ما استطَعنا، ولنبشّر أنفسَنا والنّاسَ من حولنا بكلِّ خيرٍ.
• لنبشّر أصحابَ الذّنوبِ بقبولِ التّوبةِ مِمّن يتوب.
• ولنبشّر أصحاب البلايا والمِحَنِ بعظيمِ أجر الصّابرين وقربِ الفرَج.
• ولنبشّر أصحابَ الأمراضِ بقدرةِ الله على شفائِهم وبمغفرةِ ذنوبهم إن همُ احتَسبوا.
• ولنبشّر أصحابَ الهمومِ باستجابةِ الله لمن يدعوه بصدقٍ ومَسكنةٍ وإلحاحٍ وثقة.
• ولنبشّر أنفسَنا والمسلمينَ بأنّ وعدَ الله بنصرِ المؤمنينَ ومَحقِ الكافرين لا يُخلَف متى حقّقنا أسبابَه ولو حاربَتنا أممُ الأرض.
• وَلنَحذَر أن ننفِّرَ أنفسَنا والنّاسَ عن دينِ الله، بإثارةِ ضجيجِ الجدَلِ والخلافاتِ عند كلّ أمرٍ صغيرٍ أو كبيرٍ.
• ولنحذَر أن ننفّرَهم حينَ نتزيّا بزيِّ أهلِ الإيمانِ والإحسانِ ونتصرفَ بأخلاقِ أهل الفجور والعصيان.
• ولنحذَر أن ننفّرَهم بالتّعالي والتّفاخرِ على المسلمينَ بعلمٍ أو قوّةٍ أو مكانةٍ أو نسبٍ أو مالٍ.
• ولنتّقِ الله في هذا الدّين… جعلنا الله وإياكم من المتَّقينَ المبَشِّرين.